تحتفل قطر بيوم الأسرة في 15 أبريل من كل عام، وهي مناسبة تهدف إلى تسليط الضوء على دور الأسرة في بناء المجتمع وتعزيز القيم الاجتماعية. وتعد الأسرة اللبنة الأساسية في حياة الأفراد، حيث توفر لهم الحب والدعم والتوجيه، مما يسهم في بناء شخصيات قوية ومتوازنة وفاعلة في مسيرة التقدم والازدهار.
وتلعب الصحة دورًا محوريًا في تعزيز استقرار الأسرة وسعادتها، فالصحة الجيدة تمكّن أفرادها من العيش بسعادة وتحقيق إنتاجية أكبر، بينما قد تؤدي المشكلات الصحية إلى ضغوط نفسية واجتماعية تؤثر على جودة الحياة الأسرية. لذا، من المهم اتباع الإجراءات الوقائية والعلاجية التي تعزز صحة الفرد وبالتالي الأسرة، ويأتي في مقدمتها تبني أسلوب حياة صحي يشمل التغذية المتوازنة، ممارسة الرياضة، وتجنب العادات السيئة كالتدخين وتعاطي الكحول والمؤثرات العقلية، مع الاهتمام بالصحة النفسية لجميع أفراد العائلة.
"أهمية الوقاية والرعاية"
وفي هذا الصدد يقول الدكتور محمد امين العتيبي استشاري اول طب الاسرة في مركز لعبيب الصحي التابع لمؤسسة الرعاية الصحية الاولية :يُعد يوم الأسرة فرصة لتوعية المجتمع بأهمية الوقاية والرعاية الصحية، ونشر الوعي بأهمية الفحوصات الدورية، والتغذية السليمة، والصحة العقلية، ويمكن استغلاله لتعزيز العادات الصحية المشتركة، مثل تناول وجبات صحية معًا أو ممارسة الأنشطة الرياضية، مما يسهم في تعزيز صحة الأسرة وتماسكها. فالاحتفال بيوم الأسرة لا يقتصر على التعبير عن الحب والتقدير، بل يشمل أيضًا الاهتمام بصحة أفرادها، لأن الصحة الجيدة هي المفتاح لعائلة سعيدة قادرة على مواجهة التحديات وبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
"الرعاية الصحية الأولية"
وقد أثبتت التجارب والدراسات العلمية حول العالم أن الرعاية الصحية الأولية هي حجر الأساس في أي نظام صحي ناجح، وتعتمد قوة النظام على قوة هذه الرعاية وتوجيه الموارد نحوها. فكلما ارتفع مستواها، قلّت الوفيات وتحسنت مؤشرات الصحة العامة، والعكس صحيح في حال ضعفها أو التركيز على الرعاية التخصصية دون دعم الرعاية الأولية.
وشهدت السنوات الأخيرة تغيرات كبيرة في أنماط المرض والوفاة، حيث تراجعت الأمراض المعدية، بينما زادت الأمراض المزمنة غير المعدية والتي لا يمكن علاجها جذريًا، بل تتطلب اتباع أساليب حياة صحية للوقاية منها أو التخفيف من مضاعفاتها. كما ارتفعت توقعات الأفراد من الأنظمة الصحية، فلم تعد تقتصر على العلاج فقط، بل شملت الوقاية وتعزيز الصحة بمفهومها الشامل الذي يضم الجوانب الجسدية، والنفسية، والاجتماعية، والروحية.
"الاسرة أساس المجتمع"
ويضيف الدكتور العتيبي : وانطلاقًا من هذا الفهم، تؤمن مؤسسة الرعاية الصحية الأولية في قطر بأهمية الأسرة وصحتها كأساس لصحة المجتمع، ولذلك اعتمدت برنامج طب الأسرة كأحد أهم الأطر لتقديم خدماتها الوقائية والعلاجية، حيث يرتكز هذا البرنامج على تقديم خدمات متمحورة حول المريض، باعتباره محور العملية الصحية والطرف الأهم في الوصول إلى الأهداف الصحية المرجوة.
وتُعد قطر من الدول المتقدمة في مجال الرعاية الصحية عالميًا، ويُعد نظام الرعاية الصحية الأولية الذي يتبنى طب الأسرة أحد أعمدة هذا التميز. وقد تبنّت المؤسسة رؤية طموحة منبثقة من الاستراتيجية الوطنية للصحة، تتمثل في: “أن نكون الرواد في الارتقاء بصحة سكان قطر وعافيتهم”، واعتمدت نظام طب الأسرة كوسيلة أساسية لتحقيق هذه الرؤية.
فما هو طب الأسرة وما المبادئ التي يقوم عليها؟ طب الأسرة هو تخصص طبي يقدم خدمات مستمرة وشاملة للأفراد والأسر والمجتمعات، ويعتمد على أفضل الممارسات المبنية على أسس علمية، وسريرية، ونفسية، وسلوكية. وهو يغطي كل الفئات العمرية من كلا الجنسين، ويشمل مختلف الجوانب الصحية الجسدية والنفسية والسلوكية.
"خدمات عالية الجودة"
وقد أثبتت الدراسات أن تطبيق نظام طب الأسرة في الرعاية الصحية الأولية هو الطريق الأمثل لتقديم خدمات عالية الجودة وبتكلفة معقولة، إذ يسهم في تحسين المؤشرات الصحية، ويحقق الاستخدام الأمثل للموارد، ويعزز السلوكيات الصحية بفضل العلاقة المهنية المستمرة بين الطبيب والمريض، مما يوفر خدمة مستدامة غير عابرة.
ويعتمد النظام على تخصيص طبيب أسرة لكل فرد، ويُتاح للمريض اختيار طبيبه، كما يُدعم الطبيب بفريق محدد لضمان استمرارية الخدمة حتى في حالة غيابه. هذه الاستمرارية تبني ثقة بين الطبيب والمريض، وتُسهم في التشخيص الدقيق والعلاج الفعال، كما تعزز التزام المريض بالعلاج والتوصيات الطبية، مما يؤدي إلى نتائج صحية أفضل.
وتتمثل مهمة مؤسسة الرعاية الصحية الأولية في تقديم خدمات متمركزة حول الشخص، تتصف بالشمول والتكامل والتنسيق. ومن هذا المنطلق، يحقق نظام طب الأسرة أهدافًا تشمل تقديم خدمات علاجية ووقائية وتعزيزية شاملة، مع التركيز على الفرد والأسرة والمجتمع، وتوفير متابعة مستمرة من الطبيب نفسه، وتنسيق خدمات متكاملة من خلال نظام تحويلات داخلي وخارجي تديره عيادة طب الأسرة.
"نظام طبيب الاسرة "
ولضمان فاعلية هذا النظام، تم إدخال معظم الخدمات تحت مظلة طبيب الأسرة، مع وجود نظام ملفات إلكتروني ونظام تحويلات حديث يضمن المتابعة الدقيقة. ويتطلب نجاح هذا النظام وجود آلية مواعيد فعالة تتيح للمراجع اختيار الوقت والطبيب المناسب، وتجنبه الانتظار الطويل، دون أن يُلغي ذلك حقه في مراجعة المركز الصحي مباشرة في الحالات الطارئة.
ومن أجل تسهيل التواصل بين المريض والطبيب، تم استحداث الاستشارات عن بعد عبر الهاتف أو الفيديو، كما أتاحت منصة “صحتي” للمراجعين الاطلاع على ملفاتهم الصحية، وستتيح لهم مستقبلًا التواصل المباشر مع أطبائهم إلكترونيًا.
"السلامة الجسدية والنفسية "
وأضاف الدكتور محمد العتيبي إن طب الأسرة بمفهومه الشامل والمتكامل يمثل حجر الزاوية في تعزيز صحة الأفراد والمجتمعات، ويُعد من أنجح النماذج الصحية في تحقيق الرعاية الفاعلة والمستمرة، بفضل تركيزه على المريض كأساس لكل تدخل صحي، وعلى الأسرة كبيئة حاضنة ومؤثرة في سلامته الجسدية والنفسية. وهو ما جعل مؤسسة الرعاية الصحية الأولية تتبنى هذا النظام كأساس لتقديم خدماتها، لتضمن بذلك توفير رعاية شاملة ومنسقة ومبنية على الثقة والتواصل، بما يحقق أعلى مستويات الصحة وجودة الحياة لجميع أفراد المجتمع.