يوافق يوم 14 نوفمبر من كل عام اليوم العالمي للسكري، وهو مناسبة عالمية تهدف إلى رفع الوعي بمرض السكري وأسبابه ومضاعفاته، وتسليط الضوء على أهمية الوقاية والكشف المبكر وتمكين المريض من السيطرة على المرض وتجنب آثاره. ويأتي هذا اليوم في ظل تزايد معدلات الإصابة عالميًا، حيث تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 540 مليون شخص يعانون من السكري، ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى أكثر من 643 مليونًا عام 2030، وإلى ما يقارب 800 مليون عام 2045 ما لم تُتخذ إجراءات فعالة للوقاية.
"مرض العصر وتحدياته المتزايدة"
يقول الدكتور محمد العتيبي، استشاري أول في طب الأسرة في مركز لعبيب الصحي التابع لمؤسسة الرعاية الصحية الأولية، إن مرض السكري يعد أحد أهم أمراض العصر وأكثرها انتشارًا بين الأمراض المزمنة غير المعدية، إذ يصيب واحدًا من كل عشرة أشخاص على مستوى العالم.
ويضيف أن المرض يواجه عددًا من التحديات المتشابكة، أبرزها ازدياد انتشاره بسبب أنماط الحياة غير الصحية كقلة النشاط البدني، والعادات الغذائية السيئة، وانتشار السمنة والضغوط النفسية. كما أن السكري لا يُشفى تمامًا حتى الآن، وإذا لم يُضبط بشكل جيد، فقد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة تمس القلب والأوعية الدموية والكلى والعينين والأطراف، إضافة إلى ضعف المناعة وزيادة احتمالية الإصابة ببعض أنواع السرطان.
"غياب الاعراض الواضحة"
ومن التحديات أيضًا أن نحو نصف المصابين بالسكري لا يعلمون بإصابتهم بسبب غياب الأعراض الواضحة، مما يؤدي إلى تأخر التشخيص حتى ظهور المضاعفات. ويؤكد الدكتور العتيبي أن السيطرة على المرض تتطلب وعيًا والتزامًا طويل الأمد من المريض، سواء عبر تغيير أنماط الحياة أو المتابعة الطبية المنتظمة.
"الوقاية.. الخطوة الأولى "
ويرى الأطباء أن الوقاية تبقى الخيار الأنجع في مواجهة السكري، فاتباع نمط حياة صحي يقي إلى حد كبير من الإصابة بالمرض أو يؤخر ظهوره. وتشمل أسس الوقاية ممارسة النشاط البدني بانتظام بما لا يقل عن 150 دقيقة أسبوعيًا، وتناول الغذاء المتوازن الذي يضم الخضروات والفواكه ويبتعد عن الأطعمة الدسمة والوجبات السريعة، مع الحفاظ على وزن صحي وتجنب التدخين.
كما يُنصح بإجراء الفحوصات الدورية للكشف المبكر عن المرض، خصوصًا لمن لديهم تاريخ عائلي أو عوامل خطر، لأن التشخيص المبكر يسهم في السيطرة على السكري ومنع مضاعفاته.
" نموذج في الوقاية والرعاية"
تحظى دولة قطر باهتمام واسع بموضوع التوعية والوقاية من مرض السكري ضمن استراتيجياتها الوطنية للصحة، التي تهدف إلى تعزيز صحة المجتمع والحد من الأمراض المزمنة. وتنفذ وزارة الصحة العامة برامج شاملة للوقاية من عوامل الخطر مثل السمنة والخمول البدني، من خلال تعزيز أنماط الحياة الصحية، وتطوير بيئات داعمة للنشاط والحركة، وتوفير خدمات صحية عالية الجودة لجميع الفئات.
وتتبنى الدولة نهجًا تكامليًا يجمع بين الجهات الصحية والمؤسسات التعليمية والمجتمعية وبرامج التثقيف الصحي، لضمان وصول الرسائل التوعوية إلى جميع شرائح المجتمع.
"دور الرعاية الأولية"
تلعب مؤسسة الرعاية الصحية الأولية دورًا محوريًا في مواجهة مرض السكري من خلال مراكزها المنتشرة في مختلف مناطق الدولة، والتي تمثل نقطة الاتصال الأولى مع الجمهور لتقديم خدمات الكشف المبكر والمتابعة والعلاج.
وقد أولت المؤسسة اهتمامًا كبيرًا بالتوعية والوقاية، فأنشأت مراكز “معافاة” التي تشجع على النشاط البدني، وافتتحت عيادات لأنماط الحياة الصحية بإشراف أطباء متخصصين ومرشدين صحيين، إضافة إلى عيادات التغذية والتثقيف الصحي التي تساعد المراجعين على تبني سلوكيات وقائية مستدامة.
كما توفر المؤسسة عيادات للفحص الدوري التي تبادر بالتواصل مع الجمهور ودعوتهم لإجراء الفحوص المنتظمة لاكتشاف المرض مبكرًا، إلى جانب خدمات علاجية متقدمة يشرف عليها أطباء واستشاريون مؤهلون وفق أحدث الإرشادات العالمية.
وتطبّق المؤسسة نظام طب الأسرة الذي يتيح للمريض المتابعة المستمرة مع طبيب وفريق طبي محدد لضمان التواصل والرعاية المتكاملة، بالإضافة إلى توفير الخدمات المساندة مثل عيادات العيون لفحص الشبكية دوريًا وعيادات الأسنان ومتابعة ضغط الدم والدهون، بهدف السيطرة على جميع العوامل المرافقة للسكري.
وفي جانب الأدوية والتقنيات، توفر المؤسسة أحدث العلاجات والأجهزة الخاصة بقياس ومتابعة السكري، إلى جانب فرق تمريضية وطبية تزور المرضى كبار السن في منازلهم لتقديم الرعاية المستمرة. كما يوجد تنسيق وتعاون وثيق مع مؤسسة حمد الطبية لتحويل الحالات التي تحتاج إلى رعاية تخصصية متقدمة.
ويختتم الدكتور العتيبي نصائحه بالقول ان المختصون يؤكدون أن مواجهة السكري تتطلب تعاونًا مجتمعيًا شاملاً يبدأ من وعي الفرد بنفسه وبعائلته، ويمتد إلى المؤسسات الصحية والإعلامية والتعليمية والرياضية التي يقع على عاتقها ترسيخ ثقافة الحياة الصحية.
فالسيطرة على السكري لا تعتمد فقط على الأدوية، بل على إرادة المريض ووعيه في مراقبة حالته وتبني نمط حياة متوازن ومستمر.
وفي هذا اليوم العالمي، تبقى الرسالة واضحة:
الوقاية تبدأ بخطوة، والفحص المبكر حياة، والتزام الفرد مسؤولية تسهم في حماية المجتمع من واحد من أخطر أمراض العصر.